قصة حقيقية/ من فضول تلميذ الى ابداع عالمي

بقلم/علاء الطرفي

قصة الاديب والكاتب العراقي العالمي سعد هدابي

في صباح يوم الخميس من عام 1969 في باحة مدرسة الشروق الابتدائية، اشرقت الشمس على حشد غفير من الطلاب الذي اجتمعوا حول المعلم شاكر ومجموعة من زملائهم الذين كان يتمرنون لاداء عرضا مسرحيا، كان سعد يومها طفل صغير لم يكمل العاشرة من العمر دفعه الفضول نحو ذلك الحشد، واسرعت قدماه نحوهم واخذ يطاول زملائه بقامته القصيرة ويدافعهم شيئا فشيئا حتى شغل حيزا بينهم، وبالرغم من ان ذلك اليوم كان احد ايام الخريف القارص إلا ان الشمس اججت حماسة التلاميذ الذين كانوا يؤدون ذلك العرض لينالوا رضا معلمهم الذي كان يوقف احدهم فيتوقف الاخرون ويلقنه ليعيدوا جميعهم تلك الحركات تباعا.

سعد لم يكن يعرف ان هذا الاداء هو عرض مسرحي بل بدى مشدود تماما لما يقوم به زملائه واخذت تلك المشاهد تلقي في نفسه تساؤلات وحيرة، كان جل ما يحسب ان هذه المشاهد هي لعبة لم يعرفها من قبل وكعادة الاطفال لم يصبر طويلا بل فاجئ المعلم بسؤال شغوف قطع على التلاميذ ادائهم وعلى المشاهدين صمتهم.

سعد: ما هذه اللعبة يا استاذ ولماذا هكذا يؤدون هؤلاء الطلبة هذه الحركات؟!

المعلم انفعل لمقاطعة هذا الفضولي الصغير ونظر اليه بغضب وصاح بوجهه :انصرف من هنا!!

انصدم سعد بهذا الجواب المفزع وظهرت على ملامح وجهه البريئة علامات الخجل والخوف من معلمه، عاد التلاميذ الى اداء ادوارهم وعاد الطلبة لمشاهدة العرض.

ولم يلبث سعد سوى لحظات حتى تدارك ما هزم من عزيمته وعاد بجراءة ليسئل المعلم مرة اخرى بنفس السؤال، نظر المعلم الى سعد بهدوء هذه المرة واجابه: ان هذا الشيء ليس لعبة بل اسمه عرض مسرحي، وانه يحتوي على مجموعة من الحركات والعبارات تسمى مشاهد يأديه اشخاص من قصة تعود لتاريخ ووقت محدد، واخذ المعلم يوضح ببساطة لسعد تفاصيل هذا العرض، وسعد يستمع اليه بأصغاء تام.

شعر سعد ومنذ ذلك اليوم بان هذا العرض والمسرح استحوذ على كيانه وتركزت تلك المشاهد في ذاكرته واجتاحت مخيلته صور وافكار صغيرة، واصبح بعد عدة سنوات في دراسته المتوسطة يكتب ما كان يراه من مشاهد الحياة على شكل مشاهد مسرحية يؤديها هو ومجموعة من زملاءه في المدرسة والشارع واصبح المسرح والتمثيل هاجسه الوحيد.

دخل سعد معهد الفنون الجميلة في بغداد ودرس المسرح والاخراج والكتابة الادبية وتبلور في ذهنه فكرة المسرح بأبعادها الادبية والفنية والوجدانية، وادرك ان ما كان يحسبه يوما لعبة هو مهمة شاقة وقضية خطيرة ومسؤولية كبيرة الى حد ما وان المسرح ثقافة ورسالة لا مجموعة حركات وعبارات تلقى دون هدف ما، ولكن حبه لهذا الفن وفضوله الذي فجر فيه ابداعا وحفز موهبة فريدة من نوعها لم يستسلم بل اخذ يصقل موهبته التي كانت لاتزال في بداية مشوارها المتواضع على أيدي اساتذة وتجارب مسرحية عديدة اضافت له الشيء الكثير، تخرج سعد من معهد الفنون الجميلة وعمل في المسرح العسكري .

وفي عام 1990 في مدينته الديوانية استطاع سعد ان يحقق اولى احلامه في مسرحية “البهلول” التي كانت اول عمل يؤلفه ويخرجه بنفسه، كانت هذه المسرحية تتحدث عن احدى الشخصيات المتسلطة اسمه الباشا وكان يستعبد الناس ويمسخهم الى قرود فأحدثت هذه المسرحية ضجة كبيرة في زمن نظام دكتاتوري.

بدأ نجم سعد هدابي يلوح في افق الابداع الادبي والفني واصبح يشارك في اعمال ومهرجانات وحصل على العديد من الجوائز العالمية والعربية والعراقية , وفي عام 1988 حصل على جائزة افضل سيناريو عن مسلسل  “انهم يقتلون النوارس”  في مهرجان التلفزيون العالمي الذي اقيم في بغداد, بحضور الفنان الراحل احمد مرسي وكثير من الفنانين العرب والعراقيين وأيضا حصل على جائزة الابداع عن مسرحية ” نزيف المومياء” في مسابقة “الشارقة للإبداع”  الذي اقيم في الامارات عام 2000 , وحصل على جائزة افضل مخرج عن مسرحية “عربة الليل” عام 2004 كذلك في عام 2006  حصل على جائزة افضل مخرج لمسلسل “ادم والحصان” وفي  عام 2011نال جائزة افضل مخرج لمسلسل “بنيران صديقة” وفي عام 2012 حصل على جائزة أفضل  كاتب عراقي في الدراما العراقية عن مسلسل “خارطة الطريق ” والف واخرج مسلسلات تلفزيونية كانت مسلسل “بيت الشمع” و “الغائب” و”عش المجانين” و “خارطة الطريق” و”فدعة” و”حفيظ” و “الطوفان ثانية” و “انها تحتل ذاكرتي” الذي عرض هذا المسلسل على التلفزيون اللبناني، ولازال هذا المبدع يالف ويخرج ويحصل الجوائز في العراقية والعربية والعالمية.

11898900_1653037568274581_3021590740322048851_n1620779_448808328598037_7870272426960278881_n 1900064_1425743444337329_152759180_n 1922051_847015638648199_1839196670_n 10251893_1597900913788247_4747926803564136096_n 10888600_1552137565031249_6507300809420645562_n

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *